الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
{وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ} فسمع موسى كلام الله تعالى بغير وحي، فاشتاق إلى رؤيته {قَالَ رَبّ أَرِنِى أَنظُرْ إِلَيْكَ} انظر صار جزمًا لأنه جواب الأمر {قَالَ} له ربه: {لَن تَرَانِى} يعني: إنك لن تراني في الدنيا {ولكن انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ} يعني: انظر إلى أعظم جبل بمدين {فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِى} يعني: سوف تقدر أن تراني إن استقر الجبل مكانه.معناه: كما أن الجبل لا يستقر لرؤيتي فإنك لن تطيق رؤيتي {فَلَمَّا تجلى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ} قال الضحاك: ألقى عليه من نوره فاضطرب الجبل من هيبته يعني: من رهبة الله تعالى.وقال القتبي: تجلى ربه للجبل أي ظهر وأظهر من أمره ما شاء.يقال: جلوت المرأة والسيف إذا أبرزته من الصدأ وكشف عنه.وجلوت العروس إذا أبرزتها.{فَلَمَّا تجلى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ} أي: جبل زبير {جَعَلَهُ دَكّا} قرأ حمزة والكسائي جعله دكاء بالهمز يعني: جعله أرضًا دكاء.وقرأ الباقون دَكًّا بالتنوين يعني: دَكَّه دَكًّا.قال بعضهم: صار الجبل قطعًا، فصار على ثمان قطع.فوقع ثلاث بمكة وثلاث بالمدينة واثنان بالشام.ويقال: صار ستة فرق.ويقال: صار أربع فرق.ويقال: صار كله رملًا عالجًا أي لينًا.وروى عكرمة عن ابن عباس أنه قال: جعله دكًا أي ترابًا، وقال القتبي: جعله دكًا أي ألصقه بالأرض.ويقال: ناقة دكاء إذا لم يكن لها سنام أي ترابًا.وروي عن وهب بن منبه أنه قال: لما سأل موسى النظر إلى ربه أمر الله الضباب والصواعق والظلمات والرعد والبرق فهبطن حتى أحطن بالجبل، وأمر الله تعالى ملائكة السموات فهبطوا، وارتعدت فرائص موسى وتغير لونه.فقال له جبريل: اصبر لما سألت ربك، فإنما رأيت قليلًا من كثير فلما غشي الجبل النور، خمد كل شيء، وانقطعت أصوات الملائكة وانهار الجبل من خشية الله تعالى.حتى صار دكًا.قوله تعالى: {وَخَرَّ موسى صَعِقًا} قال مقاتل: يعني ميتًا.كقوله عز وجل: {فَصَعِقَ مَن في السموات} يعني: مات.ويقال: وخر موسى صعقًا أي مغشيًا عليه {فَلَمَّا أَفَاقَ} من غشيانه قال مقاتل: رد الله حياته إليه {قَالَ سبحانك} أي تنزيهًا لك {تُبْتُ إِلَيْكَ} من قولي {وَأَنَاْ أَوَّلُ المؤمنين}.روى الربيع بن أنس عن أبي العالية قال: قد كان قبله من المؤمنين.ولكن يقول أول من آمن بأنه لا يراك أحد من خلقك إلى يوم القيامة.وقال مقاتل: أول المؤمنين بأنك لا تُرى في الدنيا.وقال القتبي: أراد به في زمانه كقوله: {يا بنى إسراءيل اذكروا نِعْمَتِى التي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّى فَضَّلْتُكُمْ عَلَى العالمين} [البقرة: 47] ويقال: معناه تبت إليك بأن لا أسألك بعد هذا سؤالًا محالًا.فاعترف أنه طلب شيئًا في غير حينه وأوانه ووقته.وقال الزجاج: قد قال موسى: {أَرِنِى أَنظُرْ إِلَيْكَ} أرني أمرًا عظيمًا لا يرى مثله في الدنيا مما لا تحتمل عليه نفسي {فَلَمَّا تجلى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ} أي: أمر ربه قال: وهذا خطأ.ولكن لما سمع كلامه قال يا رب: إنِّي سمعت كلامك وأحب أن أراك. اهـ.
|